pregnancy

فيودور دوستويفسكي ... الجريمة و العقاب


يطرح فيدور القضية الكبيرة, وهي شرعية الجريمة باعتبارها فكرة فلسفية وأخلاقية عميقة. في مذكرات دستويفسكي قال فيدور وهو يشير إلى أحد أبطال كتابات الشاعر الروسي بوشكين " أليكو قتل, يعذب روحه غير الخليق بمثله الأعلى, هي ذي الجريمة, وهو ذا العقاب " .. هذه الفكرة كانت الأساس الأول لرواية الجريمة و العقاب. 

الأساس الثاني الذي كان مساعداً لبناء الرواية ترجع إلى حادثة كان يتابعها فيدور وهو يعد أعداد جريدة الوقت. بعد أن تشكل لديه الأساس الأول للرواية يذهب فيدور إلى البحث عن منشورات تتحدث عن شئون الإجرام . لفتت نظره مقاله بعنوان " دعوى لا سينير " . المقالة تتحدث عن فرانسولا سينير ابن تاجر فرنسي, يقتلً بالمبارزة حفيد كاتب ورجل سياسية شهير. عند خروجه من السجن يقرر الإنصراف إلى الأدب وكتابة الأشعار و القصائد. لكن النشاط الأدبي لا يكفيه, فيعيد الاتصال برفاق السجن مدفوعاً بالجوع والرغبة في المتعة و التسلية. ويصبح شريكاً في سرقاتهم, وسرعان مايرتكب جريمة قتل, فيلقى به في السجن مرة آخرى وينشر وهو في السجن كتاب شعر, و يعرض أمام جمع من الكتاب و المحامين والأطباء أفكاره في الأدب والسياسية والدين. فتصيب الدهشة الحضور لهذا القاتل المفكر والأديب. هذا النموذج البشري العاشق للفكر, والقاتل في نفس الوقت بثير شهية دستويفسكي بتناقض نوازعه النفسية, ويبدو له بيت القصيد لتجسيد رواية مليئة بالصراع والتناقض النفسي.

الأساس الثالث كان المال. المأساة الإقتصادية الخانقة التي عصفت بدستويفسكي كانت مادة ثرية جداً لكتابة رواية. بعد وفاة أخيه لم يتوقف دستويفسكي لحظة عن البحث عن المال وتحسين وضعه المادي. لقد وقع سندات بيديه ليسدد ديونه ولمواجهة الاحتجاج بعدم سداد الدين كي لا يكون مصيره في السجن. بات هذا الأديب الكبير الذي استغله الناشر الجشع مهدداً كل دقيقة بالحبس. وخلال عام كامل مضطرب كان يهرب من المرابين والشرطة و رجال الأعمال.

" خلال عام كامل لم أتمكن عملياً من كتابة سطر واحد " هكذا يقول في مذكراته. في رواية الجريمة و العقاب يطرح دستويفسكي كيف يكون المال ذا تأثير نفسي وإجتماعي عميق عن طريق الرهون التي كانت تحصلها المرابية وارتهان راسكولينكوف أمتعته البسيطة, وسلف أليونا وكمبيالات لوجين وسفدريجايلوف. لم يطرح دستويفسكي قضية المال بصورة بسيطة, بل بصورة حادة و خانقة في معرض الرواية ويعرض تراجيديا إجتماعية ممتدة الجذور.المرابية العجوز التي تقرض المال بفائدة كبيرة, ورجل الأعمال تشيباروف الذي يشتري السندات من المرابين هما أمثلة على دائني دستويفسكي الذين تصفهم زوجته فيما بعد بـ " مشتروا السندات, أرامل الموظفين, مالكوا الأثاث, وكلاء من أبخس زمرة "

الأساس الرابع وهو الأهم, وتحدث عنه دستويفسكي بشكل مرعب جداً في روايته, وهو السكر. في عام 1863وضع نظام للضرائب يسمح لأصحاب الحانات بإسكار الشعب بشكل وحشي. كان دستويفسكي مهتماً بهذه المسألة بشكل جدي وتحدث عنها في مجلته الأولى بشكل مطول, وحدد نقطة تركيزه على مصير الأولاد في الأسر المدمنة على الخمرة. في إحدى المقالات المنشورة في صحف آنذاك قرأ فيدور مقالة بعنوان " العاملة " . في هذا المقال يصف خمارات السبت لعمال باريس في ملاهي الضاحية وحياة أسر العمال الذين يموت أطفالهم إما جوعاً أو بداء الصدر في المساكن الغير مدفأة, على أسرة بدون فرش ولا أغطية. استوحي دستويفسكي من هذا المقال فكرة السكر والقضايا الأخلاقية والإجتماعية التي تنجم عن إدمان رب العائلة, وعن مصير الأولاد والعائلة, وهكذا رسم دستويفسكي بشكل وحشي و مرعب جداً الصورة الخالدة لـ آل مارميلادوف في رواية الجريمة والعقاب.

هذه الأساسيات الأربع تشكلت في ذهن فيدور منذ زمن طويل, وأخذت شكلاً جدياً في وقت الإفلاس المالي, فأنتجت رواية بوليسية فلسفية فُرضت فرضاً عليه.





شكرا لتعليقك