pregnancy

الشيخ محمد الغزالي سر تأخر العرب و المسلمين


هل أمتنا الإسلامية نائمة ؟أو مغمى عليها؟
منذ مئات السنين كانت شوارع بغداد مضاءة بالنور، وكانت مكتباتها تشع علما ، وكانت عند المسلمين أرقى المستشفيات وأبهى الحدائق وأنظف الحمامات وأهم المدارس والجامعات وكان لديهم أمهر الأطباء وأحسن العلماء وأشطر اللغويين والمخترعين.
ولا نبالغ إن قلنا كان العالم الإسلامي يصدر للعالم العِلم والتطور والنور، فقد تمكن المسلمون من بناء "الحضارة الإسلامية" بجدارة وباعتراف الأعداء قبل الأصدقاء، وكانت لهذه الحضارة الفضل الكبير في نهوض الحضارة الغربية الحديثة.
 لكن هذا المجد ما لبث أن انهار وبات نور الحضارة الإسلامية يشرق على الغرب وانطفأت أنوارها وغابت أدوارها،وضعفت عزيمتها ووهن قرارها... لماذا؟ وما السبب؟
يتساءل الشيخ محمد الغزالي في كتابه "سر تأخر العرب والمسلمين" ويجيب أيضا، بأسلوب سلسل غير مكلف بسيط الطرح عميق المعنى ناتج عن غيرة مسلم يحب الخير لأمته.
أين الخلل؟ يبدأ بسؤال يحاول من خلاله تشريح الجسد الإسلامي لمعرفة أسباب وفاته.
أمراض فكرية ونفسية أدت لسقوط الحكم الرشيد:
 ويرى أن البداية من تصدع نظام الخلافة فالأمة الإسلامية قد تدفع ثمن أخطائها الكثيرة قبل أن يكون العدو سببا في النيل منها:"كان نظام الخلافة يترنح ترنح السكران الفاقد للوعي، وكانت الأدواء الفاتكة تسرح في جسد الأمة كلها وتهد قواها هذا"
ويتحدث الغزالي على ضوء القرآن عن بعض السنن الإلهية في هلاك الأمم وبقائها وأن معرفة هذه السنن أهم من دراسة العلوم الفقهية وعلم الكلام.
 فجزاء الحكم الفردي والاستبداد السياسي، والاغترار بالمال، أوجزه الله في سورة القصص" تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فساد والعاقبة للمتقين"83.
فقدان الصبر عند المحن:
أما في سورة يوسف فجسد الغربة والسجن ،والاستجداء بالله والعمل المستقيم ،و تبرز أهمية الاستقامة، والاستناد إلى الله في تمني الأفضل والتمسك به والصبر على المحن "إنه مَنْ يتق ويصبر فإن الله لا يُضيعُ أجرَ المحسنين" 90 و: "لا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون" 87، ويسأل الغزالي :هل تنشئة الشباب يكون من خلال هذه العبر أم على أمور أخرى؟
 
وفي سورة محمد يبشر الكفار بالله"الملحدين" بنهاية مشئومة وحرمان من بركاته: "الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضلّ أعمالهم"1   
ويولد الطمع الجامح والسعي وراء الماديات وإهمال الجانب الروحاني الاكتئاب والانتحار، وقد ذكرها الله في سورة يونس:"إن الله لا يصلح عمل المفسدين، ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون"81-82
التغيرات النفسية والفكرية السالبة هي أساس الخسران:
وأيضا قوله في سورة فاطر:"ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده"2....و في سورة المائدة"لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث"100
وقوله في سورة آل عمران "إن ينصركم الله فلا غالب لكم وان يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده"160...وأيضا في سورة الأنفال:"ذلك بأن الله لم يَكُ مغيرًا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"53.
إن هذه القوانين تحمي الأمم من السقوط في الضعف والهوان ، وبالتالي خسران الدنيا والاخرة.
 نأتي لذكر أسباب تأخر المسلمين:
-   غياب الحكم الرشيد: وهو أهمها وأعظمها، حيث استبعدت الكفاءة في اختيار الخليفة،ألغيت الشورى،الانفراد بالحكم من قِبل المحكوم وجماعته،تبديد المال العام وتربص الجهل بالإسلام،مؤكدا الغزالي أن:"الإسلام ليس حزبا سياسيا قصاره طلب السلطة ،إنه دين يهيمن على النفوس والأفكار"
-  التفرقة العنصرية والاستعلاء القومي: حيث أضرت به النزاعات والعصبيات والتعصب للعرق دون الإسلام وخدمة الشخص دون خدمة المجتمع، قائلا الشيخ في ذلك" ذهب رباط المبادئ وبقي رباط المآرب والمنافع !ذهب الحب والبغض في الله وبقي الحب والبغض لدنيا تنال، أو لشخص يلتمس في جواره الجاه والمال".

- اختلال الفكر الاجتماعي والعلاقات البينية: لا يقل المجتمع أهمية عن السياسة، فقد اُستهدف المجتمع الإسلامي في أهم لبناته وأكثرها حساسية؛ المرأة" بازدراء الأنوثة –استضعافها- وإنكار حقوقها الطبيعية ؛وقد عادوا للجاهلية الأولى حيث توأد الفتاة أو كما يفعل الهنود ، يقتلونها مع زوجها إذا توفي.
وسجنت المرأة المسلمة بين أفكار الجاهلية العربية والجاهلية الغربية الوافدة التي استعملت المرأة كسلعة ولم تحفظ جسدها ولا روحها، كما حفظها الإسلام.
لأن الإسلام احترم كونها امرأة، فالمرأة تتعلم وتذهب لتصلي وتقاتل وتعالج الجرحى وتأمر وتنهي وتنصح وتختار وترث.[i]
أثر الأهواء والعصبيات على الدعوة الإسلامية:
العصبية الأوروبية:خصومة غير مشرفة...
وارجع سبب عداء الغرب للمسلمين والإسلام والقطيعة بينهما والفجوة الحاصلة "للدعاة"حيث يرى أنه على الدعاة أن يشرحوا الدين لغير المسلمين كما يفهمونه هم، لتفاد هذه الفجوة. 
دعاة اكتملت عدتهم العلمية والروحية:
كما صور رجال الدعوة في الخلافة الإسلامية وهم ينهون عن المنكر يأمرون بالمعروف تعبر عنهم هذه الآية "كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين"الأنبياء90،  وشتان بين من يدعوا للدين ومن يدعو بالدين لمآرب في نفسه !!.
دعاة هم جزء من المشكلة وليسوا جزءا من الحل:
والسبب في تذبذب الدعوة وتضاؤلها إهمال الدين والتمسك بالدنيا,:"وسرعان ما تحول معظم نشاط أولئك الخلفاء إلى المحافظة على الحكم في ذرا ريهم،والى مكافحة الفتوق التي يحدثها الناقمون والمعارضون".. قام أعداء الأمة بنسج خيوط تلهي الدعاة عن دعواهم وللأسف قد حققوا النصر, وأصبح مجال الدعوة مفتوح لكل من هب ودب ،"إن الإسلام يراد هدمه  باسم الإسلام" والقائم بهذه المهمة شيوخ أو شباب لا هم من أهل الذكر ولا هم من أهل الفكر..."
عيوبنا التاريخية كانت السبب الأهم لسقوطنا:
وانشغل المسلمون في ظل العباسيين في قتال بعضهم بعضا من اجل المال والسلطة حتى أغار عليهم الصليبيين وسقطت عاصمتهم على يد التتار.."وقد سقط العباسيون من قبلهم الأمويون ليؤكدوا حقيقة علمية وتاريخية ثابتة، وهي أن العرب لا يشد كيانهم إلا الدين فإذا خرجوا عليه تيقظت فيهم جاهليتهم، فهلكوا."
قصور الحكم وأثره في الاضطراب العلمي:
الترجمة والنقل والتوطين خير لو أعدت له عدته:
كان الانفتاح على الأمم الأخرى في العصر العباسي في أوجه،واختلط العرب بالفرس وتعرفوا للهنود وسمعوا بفلسفة اليونان،و كان لزاما على العرب نقل تجارب الآخرين وما وصلوا إليه من علوم إلى لغتهم، وبنشاط حركة الترجمة بدأت تتغلغل في المجتمع الإسلامي الأفكار الوثنية وفلسفة الإلحاد، ورأي الشيخ في هذه يتمثل في قوله: "لقد كان المطلوب من الخلفاء العباسيين أن يترجموا الإسلام للناس في كل قطر لا أن يترجموا للمسلمين أفكار وخيالات الأمم الأخرى !"
ووقع الفكر الإسلامي في فخ هذه الثقافات وتلاشت الثقافة الإسلامية بمرور الوقت ، والغزالي ليس ضد الترجمة بل يراها ضرورة للتعرف على الحضارات الأخرى والاستفادة منها، بل يُنكر أن نستورد كل شيء دون معرفة مساوئه وايجابياته ،قائلا: " كانت الفلسفة اليونانية فلسفة وجود أما الفلسفة العربية هي فلسفة وجود وفعل،كما أنها تعتمد على النبوة".
إشكالية التدين المغشوش:
وقد عرج الشيخ لنقطة ذات أهمية قصوى في الحرب على الأمة الإسلامية،وهو الغزو الثقافي المادي الذي زج بالأمة الإسلامية إلى طريق مسدود.
فكانت هذه الثقافات تفصل بين العلم والحكمة، الفصل بين الوسائل والغايات، تُخضع كل حقيقة لمفهومها الخاص ومقدارها المادي، وتجعل من الفرد أو الجماعة بحكم الأنانية المحور والقياس وتستكين لتنمية حتمية تقصر على الكم.
وبسبب اتجاه الشرق للشيوعية والعداء الغربي لهذه الأمة سهل الطريق للإلحاد للتغلغل في قلوب المسلمين وازدرائهم دين الحق.
ويشير الغزالي لنقطة ذات أهمية قصوى ،وهي "العلم المغشوش" وأعداء الأمة الذين يدعون التدين لأجل هدم الصحوة الإسلامية،ولاشك أنهم خطر على الدين لاسيما أنهم يخدمون الاستعمار الذي يلبس ثوب السلفية ليسئ إليها ويشوهها أمام الناس.
ونتج عن هذا التلاعب الجماعات المتطرفة والتخلف أيضا، والطائفية الدينية والعصبية العرقية، يبين  الشيخ خطرهم في:"وأمراض التدين المنحرف تتشابه على مر العصور،جرثومتها الأولى،جفاف الشعور وضيق التفكير وقسوة القلب والانسلاخ العام من الفطرة والتعلق الشديد بالمراسم والصلف بمعرفة الحق،والميل إلى سوء الظن ومعاملة المخطئين بجبروت"
وتلك كلها آفات ينكرها الدين، ولا يعد أصحابها على شيء مهما بلغت عبادتهم.. !!"
كما أن المتدينين المزيفين خدموا سياسة الاستبداد وشوهوا صورة علماء الأمة الأشراف وفصلوا بينهم وبين الحكام و فصلوا بين الدين والدولة، قال فيهم الكاتب: "وعندما يخدم المتدينون الاستبداد السياسي ويجحدون قاعدة الشورى فان الباب سوف ينفتح لديمقراطية تسوي بين الطاهر والعاهر".
ضـوءٌ فـي الأفـقْ...وصايا الغزالي الكبرى:
لا يُخفي الشيخ الغزالي من المقدمة حتى الخاتمة أن الخلل الواقع في طريق نهضة المسلمين انه ديني وأن الفلاح والصلاح والخروج من هذه الأزمة -التي كبلت الأمة الإسلامية في سجن التخلف –ما هو إلا الرجوع إلى الدين الحنيف والعمل بما جاء به ، وذلك عبر هذه الطرق:
نظرا لدخول أحكام بالية متخلفة للفقه الإسلامي طالب الغزالي بغربلة التقاليد التي شاعت في ديننا ،والتخلص منها والإبقاء على الحقيقي فقط ، هناك شوائب كثيرة اختلطت بالإسلام جعلت الناس يعتقدون أن الدين الإسلامي دين انحراف،ولكن الدين اطهر مما يقولون ولذلك وجب على المسلمين أن يحرصوا عليه ويترفعوا به عما يضره،وذلك ببناء وتخريج علماء أكفاء هم أهل لحماية وحمل هذه الأمانة،وإيصالها لأهلها وتعريفهم بها،ومحاربة الفراغ الروحي والغزو الثقافي بفهم الدين بطريقة صحيحة
الإحاطة بالحضارة الجديدة ومنجزاتها وما وصلت إليه من تطور لاسيما التكنولوجي، ومحاولة الاستفادة من خبراتهم لخدمة الدين والمجتمع، والأخذ منهم ما هو صالح لهذه الأمة لأجل نهضتها من غيبوبتها وتمكينها من اللحاق بالأمم الأخرى والتخلص من التبعية.
-  تحصيل الحد الأدنى من الثقافة الإسلامية للفرد: باكتساب العناصر الحقيقية للإيمان التي تحدد علاقة المؤمن بربه وهي:
الإسلام بالنسبة للغزالي هو فلسفة أخلاقية ونظام سياسي. وهو يدعو للعودة لمنهاجه وتطبيقه لأنه يوضح كل علاقات الحياة للفرد بداية بعلاقة المؤمن بربه من توحيد وطاعة واستعداد للقائه،إلى علاقة المسلم بدولته وحقوقه وواجباته إزاءها، إلى علاقته بمجتمعه وأسرته وعلاقته ببيئته والناس المحيطين به.
-  التخطيط الصحيح لبناء الأمة: فلابد من مؤسسات وأجهزة تنظم حياة الناس، تيسر لهم الزواج لتمنع الزنا ،وتنظم إقامة الصلاة،وتحي الزكاة لتساعد الفقراء،وتفتح المدارس للتخلص من الأمية والبطالة.
-  لابد أن يخرج مفهوم الإسلام من العبادات وحدها إلى العبادات والمعاملات وأن تتحول العقائد إلى سلوكيات وقيم تظهر في يوميات الناس فالإسلام دين عمل.
   والغاية من الرسالة استنقاذ الناس من ظلمات الفوضى والجهالة والفساد والاستبداد وخواء الروح، والله يقول لنبيه محمد "صلى الله عليه وسلم"في سورة إبراهيم:( كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور) .
-  وعلى المجتمع أن يتوازن بالعدل،و يترابط بالحكمة ،وأنه لا مكان في بناء المجتمعات للعبث والفوضى والجور.

  إن تطبيق شرع الله وإعلاء كلمته تخدم أسمي رسالة أتى من اجلها الإنسان للأرض وهي تعمير هذه الأرض التي نزل لها البشر كخليفة، فلابد على الإنسان أن يقوم برسالته على أكمل وجه.
-  على الإنسان أن يدرك أن الله  لم يخلقه ليفتك به الجزع ويهلكه الوباء ويهده الشقاء،بل سخر له ما في الأرض والسماء، واحل له الحلال لمصلحته وحرم عليه الحرام لأنه مضر به وهذا من رحمته "عز وجل" بعباده في ظل دين يضمن لهم كل هذه القوانين.
-  إحياء اللغة العربية؛ ليس فقط بالنسبة للعرب بل لكل المسلمين، لأنها هي من يساعدهم في فهم الدين وتطبيقه والخروج من فتة إغراء الثقافات الغربية.
الوحدة الإسلامية طريق طويل ولكنه ضرورة حياة؛ وتبدأ بتوحيد الثقافة بتوحيد الفكر الإسلامي وتصحيح انتمائهم، والتفطن أن التهام فلسطين مقدمة لأطماع أخرى،وكل الأمم الناجحة الناهضة لا تقوم لها قائمة إلا بولائها لدينها ولكم اليهود مثالا عن ذلك،فلابد للمسلمين أن يعوا هذه المفاهيم: مفهوم الولاء للإسلام: "لا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله"،،ومفهوم الأخوة الإسلامية:"إنما المؤمنون إخوة""،،ومفهوم الأمة الإسلامية:"إن هذه أمتكم أمة واحدة "
وينهي محمد الغزالي كتابه بهذا التساؤل: لماذا تقام لليهود وحدة وللنصارى وحدة وللملحدين "كتلة" وتتعثر وحدة المسلمين؟
إن الغيرة والحمية على المسلمين في مغارب الأرض ومشارقها والخوف على الإسلام من المسلمين قبل غيرهم والإحساس العالي بالمسؤولية اتجاه كل من يؤمن ب"لا اله إلا الله محمدا رسول الله" هي من جعلت الشيخ محمد الغزالي يسهر الليالي ويدمن الترحال وينشغل ليل نهار من أجل صحوة المسلمين ونهضتهم من براثن التخلف والجهل والتكاسل والإلحاد.






شكرا لتعليقك